الاثنين، 12 مارس 2012

إختزال مفهوم رعاية المبدعين..برنامج(نجوم الغد) أنموذجاً

(1)
في اعتقادي أن مفهوم رعاية المبدعين في المشهد الإبداعي السوداني يتعرض لاختزال مُخلُّ يحيد به عن مقصده الأساسي، وذلك يتمثل في تشخيصه-مفهوم الرعاية-في جوانب ثانوية هي من مسؤولية المبدع نفسه كالرعاية الصحية وتوفير الأمن المادي له.وفي إغفال المتطلبات الرئيسة للمبدع كالثقافة العامة والتخصصية ، والجودة الفنية، والتعامل مع الأضواء والجمهور والإعلام والمسؤولية الإجتماعية والوطنية. كما يتمثل في التقديم والتأخير في مراحل رعاية المبدع بحيث يُقدَّم التلميع الإعلامي علي تعزيز الخلفية الفكرية والفنية والمهارية!.و يمكن ملاحظة الإختزال والتقديم والتأخير المذكورين بسهوله في عدد غير قليل من برامج ومراكز اكتشاف ورعاية المبدعين،وفي مطالب بعض الإتحادات والنقابات المهنية التي تقتصر علي توفير الامن المعيشي والصحي، وفي كتابات وتصريحات بعض النقاد الفنيين وفي الصحافة الفنية.

(2)
إن برنامج(نجوم الغد)مثالٌ شاخص لاختلال مفهوم الرعاية الإبداعية-ولا نلعم كيف لم يفطن النقاد والقائمين عليه لهذا الخلل؟ وكيف يقول بعض النقاد والمختصين بأنه أنموذج لرعاية المبدعين!. بحيث يتم اختيار مواهب غنائية شابة ومباشرة يتم تلميعها إعلامياً ثم تُطلَق إلي سماوات المشهد الفني والجمهور والإعلام لتُعافِرَ من أجل حجز مكانة لها!.ومكمن الخطأ هنا.ولا أبالغ لو قلت أنه جناية في حق المبدع واستخدام غير مسؤول لسلطة الإعلام.مكمن الخطأ أنه لا يمكن لأي كان أن يُلمِّع موهبة ويطلقها للجمهور قبل تزويدها فكرياً ومهارياً بأساسيات ومتطلبات موهبتها عندما تسطع للجمهور!!.أي أنه ثمة مرحلة إعداد وتدريب تلي مرحلة الإختيار وتسبق التلميع تم تجاوزها وإغفالها.بحيث يجب أن يتم فيها تلقين وتعليم وتدريب الموهوبين في جميع المجالات المتعلقة بموهبتهم،وأن يتم تنويرهم بمسؤوليتهم الإجتماعية والوطنية كمفنانين، وأخيراً تمليكهم مهارات للتعامل مع الإعلام والجمهور.فمن الواجب أن يتم إدخال هذه المرحلة كجزء من منافسات البرنامج-وأي برنامج ومشروع لاكتشاف ورعاية المبدعين-،عبر محاضرات وتدريبات قصيرة مكثفة أثناء أو بعد فترة المنافسات مع حث الموهوبين للتوسع ذاتياً فيما بعد.

(3)
وقد يقول أحد القائمين علي البرنامج أن ذلك ليس من مسؤوليتهم ومن واجب الدولة، وسنجيب عليه:إذاً بأن لا تلمِّع لنا مواهب ينقصها الكثير ثم يطلقها لنا لتعوث فينا وتدلي بدلوها في تسطيح الفن السوداني الذي يرجع القهقري الآن!ولماذا لا تنسق إدارة البرنامج مع أجهزة الدولة وبيوت الخبرة المختصة؟.فمن جراء تلميع مواهب من غير تسليحها بالأساسيات نجني نُسخاً مكررة كثيرة الأخطاء والتقصير وغير قادرة علي الإستمرارية. فعندما نرصد أداء المواهب التي خرجت من البرنامج نجوماً ملمَّعة.بطبيعة الحال دون تلقي الفكر والمهارة اللازمَيْن ؛ نجد كثيراً منها قد انطفأ نجمها وبعضها وقعت وتقع في سقطات سلوكية فادحة، وترتكب أخطاء في التعامل مع الجمهور لا يفعلها صبي، وغالبيتها تغرد خارج هموم البلاد والعباد وتنفخ بحناجرها في نار أزماتنا ومآزقنا المتصاعدة، وفئة قليلة لا تذكر نجحت في الاختبار بمجهودها الذاتي!.
(4)
إكتشاف ورعاية المواهب والمبدعين ليست بشراء منازل تأويهم ، ولا دعمهم عندما يتعرضون لأزمات مالية وصحية.فتلك جميعاً من مسؤولياتهم الفردية(ولا مانع من مواساتهم)،وليست في تلميعهم إعلامياً دونما تسليحهم بأهم المعارف والمهارات وتنويرهم بمسؤلياتهم..فبذلك لن يجني المشهد الفني سوي نُسَخَاً إبداعية تكرر بعضها،قليلة الإطلاع بواجبها المجتمعي الوطني،تعاني من نقص في ثقافتها التخصصية والعامة،لديها سقَطَات سلوكية فادحة ولا تعرف كيف تتعامل مع أضواء النجومية والجمهور والإعلام.
رحم الله(وردي)..كان أنموزجاً للمبدع المثقف المتمكن من موهبته والمطلع فنياً بمسؤوليته الإجتماعية والوطنية وحاذقاً في التعامل مع الجمهور والإعلام.
زرياب العقلي-10-03-2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق