الخميس، 7 أكتوبر 2010

خليك طبيعي

يعتقد الكثيرين أن علي الإنسان أن يغير طبعه الاصيل الذي جبلت عليه شخصيته عندما يهتدي إلي الإسلام, أو عندما يبدا بالتدين والإلتزام الديني إذا كان مسلماً , فإن كان "في العموم"  (غضوباً عصبياً) عليه أن ينقلب تماماً ويصبح (حليماً متانياً) , وإن كان يميل إلي التفكير والسكون والهدوء, عليه ان يتحول إلي ثرثار كثير الحركة والتنقل. لكن هذا الإعتقاد خاطئ, بل إن الإسلام والقرآن يثبتان عكس ذلك تماماً,ويحفظان لنا طباعنا وصفاتنا "العامة" كما هي فيستفيدان منها في نشر الرسالة, ولا يكلفنا الإسلام فوق طاقتنا ويامرنا بتغييرها. وهذا مثبت في جميع قصص الشخصيات التي تناولها القرآن وأورد عنها مشاهد من جميع فترات حياتها, وإليك أمثلة شيقة من ذلك, نقلناها عن( سيد قطب) بتصرف قليل لتناسب كل القراء.

(1) أولاً: لنأخذ سيدنا موسي. إنه نموزج للزعيم المندفع العصبي المزاج.
- فهاهو ذا وهو"فتيًٍ" قوي يتجول في المدينة علي حين غفلة من أهلها , فيري أحد أتباع فرعون يقاتل واحداً من شيعته(بني إسرائيل) فيندفع فوراً ويضربه فيقتله(ودخل المدينة علي حين غفلة من أهلها, فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه,فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه,فوكزه موسي فقضي عليه,قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين).
- ولندعه هنا في هذا العمر ولنلتقي به في فترة أخري من عمره بعد "عشر سنوات" فلعله قد هدأ وصار رجلاً هادئ الطبع, حليم النفس؟ كلا ! فها هو ذا عندما ناداه ربه-من جانب الطور الأيمن- بعد عودته من مدين التي هرب إليها منذ عشر سنوات, وأمره أن يرمي عصاه,فتحولت العصا إلي أفعي تتحرك. وما إن رآها  حتي هب جرياً من الفزع لاينظر خلفه ولايتوقف, إنه الفتي العصبي نفسه ولو أنه قد صار رجلاً, فغيره أيضاً كان سيخاف,ولكن لعله كان يبتعد عنها قليلاً ويتوقف ليتأمل هذه المعجزة الكبري !.
- ثم لندعه مرة أخريلفترة من الزمان  لنري ماذا يصنع الزمان بأعصابه؟
فهاهو ذا يعود من ميعاد مع ربه غاب فيه عن قومه "40" يوماً ليتلقي وحي التوراة, لكنه عاد فوجد قومه قد بدلوا وصنعوا لهم عجلاً من ذهب واتخذوه إلهاً, فلما رآهم كذلك غضب وتعصب, فرمي ألوح التوراة التي في يديه, وأمسك برأس أخيه هارون يجره, وشد لحيته معاتباً له لماذا  تركهم يفعلون ذلك:(قال: يا ابن أم لا تأخذ برأسي ولا بلحيتي, إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي).
- ولندعه هنا ونلتقي به بعد فترة وهو "شيخا كبيرً وكهلً" لعله بردت أعصابه؟ كلا !
فها هو يلتقي ذلك الرجل(المذكورة قصته في سورة الكهف) ليتعلم منه مما علمه الله, فيشترط عليه الرجل بألا يسأله طوال الرحلة حتي يخبره هو( قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حتي أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا), لكنه لا يصبر , ويخرق الإتفاق مرة ومرة,حتي إفترقا ! ( قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ).!!!
فتلك شخصية حافظت علي طبعها منذ صباها إلي كهولتها, ولم يمنعها ذلك من أداء غرضها الديني, بل كان مساعداً لها !!

(2) ومثال آخر إبراهيم عليه السلام. إنه نموزج الهدوء والتسامح والحلم (إِنَّ إِبْراهيمَ لَحَليمٌ أواهٌ مُنيبٌ).

- فهاهو ذا في صباه جالس بهدوء في الليل يتأمل الكون, ويبحث عن ربه,فيظن أنه ذاك الكوكب الذي رآه, ثم يظن أنه هو القمر, ثم يظنه الشمس,وفي النهاية يهديه ربه إليه:

(فلما جن عليه الليل راي كوكباً قال هذا ربي, فلما افل قال لا أحب الآفلين, فلما رأي القمر بازغاً قال هذا ربي, قلما افل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين, فلما رأي الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر, فلما أفلت قال ياقوم إني بريئ مما تشركون,إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض ,حنيفاً وما انا من المشركين).

- وهاهو ذا يحاول أن يهدي أباه بلطف, لكن أباه يرفض ويرد عليه بقساوة, ويهدده تهديداً بأنه سيرجمه إن لم ينتهي عما يقول, بل يأمره بأن يبتعد عنه زماناً طويلاً (قال أراغب انت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً). لكن هذا العنف لم يخرج إبراهيم عن أدبه الجم, ولا عن طبيعته الودود, ولا يجعله ينفض يديه من أبيه:(قال سلام عليك ساستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً,وأعتزلكم وماتعبدون من دون الله وأدعو ربي عسي ألا اكون بدعاء ربي شقباً).

- ولنلتقي به وهو شيخ كبير,فخور بولده الوحيد -الذي ولده في عمر متأخر- والذي كبر الآن وأصبح فتي "قوياً جميلاً" لكنه يتلقي إشارة من الله في المنام أن يذبحه, فينفذ علي الفور رغم عزة إبنه عليه. فيغلبه الإيمان الديني العميق,علي الحب الابوي العميق, ويبطح إبنه علي الارض,ويمسك السكين, ويكاد يزبحه, لولا أن يرفق به ربه فيفديه بذبح عظيم:( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِين وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ِ, قَد صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ْ   إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.

وتلك شخصية أخري إحتفظت بصفاتها البارزة منذ صباها وإلي كهولتها, فلم يمنعها ذلك من اداء غرضها الديني, بل كان معيناً لها !!

زرياب العقلي

6 اكتوبر2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق