الخميس، 28 أكتوبر 2010

درسٌ في السوق

بكم هذا البنطال , وهذا القميص , وذاك الحذاء , وتلك الساعة .. و..و..و....هكذا بدأ (خالد) التسوق من أول متجرٍ دخله , مفتوح الشهية , ممتلئ المحفظة بالمال , مزغللة عينية من كثرة ماتري من مباهج وألوان وألبسة
أرني هذا القميص من فضلك...
جميل..ولكن أريده بلون آخر..أبيض..بيجي..أو أي لون آخر.
حسناً ..جميل هذا اللون .. ولكن هلا أعطيتني منه واحداً بكم قصير؟ فهذا كم طويل !
نعم هكذا أفضل..ولكن السعر لا يناسبني.
 هكذا يفعل خالد مع كل قطعة يريد شراءها .. يختار , فيتردد , فيطلب شروطاً تعجيزية .. وفي النهاية يشتري , يشتري ليس لأنه وجد مايريد , ولكن لأنه ملَّ من هذه المساومه وضاقت نفسه بها , فينهي رحلة تسوقه نكداً مستاءً علي عكس مابدأها..ولا تدوم فرحته قتني إلا قليلاً.
والغريب ان هذا التناقض يحدث له في كل مرة يتسوق فيها, يدخل فرحاناً متشوقاً , ويخرج بشعور غريب من عدم الرضي يفسد فرحته بما اشتري من الثياب والأحذية رغم أنه حقيبة امتلأت بالجديد منها..
ربما لأن ما اشتري أقل قيمة مما دفع .. فيشعر بالذنب
أو لأنه لم يقتنع بما اشتري .. فيشعر بالندم,
أو لأنه لم يعد يفرح بالجديد .. فيشعر بالرتابة والملل.
 ويظل السؤال عالقاً في ذهنه, فلا يجد لحالته تفسيراً ولا يعرف لها مصدراً , فلعل الدهر يجيبه ولو بالصدفة...وبينما خالد يساوم كعادته لشراء حاجياته كان يختلس النظر إلي إمرأة تساوم بائعاً آخر في نفس المتجر , ومن خلفها يقف طفلين يترقبان إنتهاء هذا جدلها والبائع حول الاسعار ليفرحا بإغتنام ملابس جديدة للعيد ككل الاطفال , لكن فرحة هذين الطفلين كان بادياً انها لن تتم , فمظهرهم الموشح برداء الفقر والمبلغ البسيط الذي تمسكه أمهم في كفة يدها خشية أن تفقده يهددان إكتمال البيعة ..وبعد مساومة طويلة عجز فيها لسان الام بالإقناع , وضاقت شهية التاجر أن يرضي بالمبلغ القليل , وارتسم البؤس علي وجه الطفلين ..حينها شعور قوي دفع خالد ليتدخل خالد ويتم المبلغ المتبقي , فأشبع شهية التاجر , وأراح سريرة الأم , ورسم الفرحة علي وجه الطفلين.
 بل إن عدوي الفرح إنتقلت لخالد فخرج منتشياً يمشي الهوينا خارجاً من السوق..ما هذا ؟ وجدتها ! لقد إنحل اللغز ! هكذا صاح خالد فجأة , فلأول مرة يعاوده ذاك الشعور الذي إفتقده منذ زمان , فيخرج فرحاناً كما دخل من السوق , لأول مرة يأخذ ويعطي في آن واحد , لاول مرة يفرح ويفرح آخرين , لأول مرة يملأ  حقيبة غير حقيبته , ولأول مرة يرسم علي وجه غير وجهه..ولاول مرة سيهب القديم بعد إقتناء الجديد - فقد قرر ان يهب ملابسه القديمة إلي أحد المحتاجين – ولأول مرة فه الدرس !
حتي تكتمل فرحتك .. ادخل فرحاً علي آخرين !!
وحتي تهنأ بالجديد..تبرع بالقديم !!
ولتسعد من الداخل..أسعد معك من في الخارج !!
   زرياب العقلي  
  17 رمضان 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق