الثلاثاء، 14 فبراير 2012

قصتي مع الدكتور إبراهيم الفقي

(1)
"كدي نشوف الزول أبو شعر أبيض ومنفوش ده بقول شنو؟".كانت تلك أول معرفتي به،علي شاشة التلفزيون،وما هي إلا ثوانٍ إلا ووضعت الريموت جانباً،ثم انخرطت في رحلة استماع ممتعة وجديدة علي وقتها !.فقد وافق كلامه عندي حوجتين: أولاها أنني آنئذٍ كنت في مرحلة نقاش جاد مع نفسي: ماذا أريد في حياتي؟ وكيف أصل؟ وكيف أضمن استمرارية حماستي لأكون أحد روافد التغيير في بلادي؟،خصوصاً وأني مقبل تواً علي الجامعة،واخاف أن يأخذني تيار الشباب بعيداً..ورويداً رويداً،وجدت عنده بعض ضالتي،وادمنت استماعه ومتابعة أخباره،ولم أكن أدري انني علي موعد للقاءات حقيقية بالقرب منه،بعد سنوات.

(2)
وفي الجامعة، انخرطت-ومجموعة مميزة من الشباب- في نشاط طوعي فريد،كانت بداية فكرة صناع الحياة لمفجرها (عمرو خالد)، وكنا نموج بالحياة والحماس تفاعلاً مع أطروحاته عبر برنامجه الأشهر. ولكن كيف ننفذها ؟ نحتاج مهارات ومعارف لتعيننا، نحتاج معرفة كيف ندير أوقاتنا، وأن نتجاوز نقد المجتمع بالتفاؤل، ونبرمج عقولنا علي النجاح، وأن نسير علي هديً وتخطيط، وبحماس لا يفتر..ومجدداً وجدنا فيما يقوله(الفقي) ما يعيننا واكثر، فأصبحنا نستقي من عمرو خالد والسويدان وغيرهم الأفكار، ويزودنا الفقي بمهارات تجعلها واقعاً. فبلغ منا سُعارُ المعرفة ببرامجه وكتبه مبلغاً !، ولأن كتبه لم تكن موجودة علي الإطلاق بالسودان وتها(2004 – 2006) كان زملاؤنا القادمون من دول الخليج(شهادة عربية) يزودونا بها، فنستنسخها مرة، ونستلفها مرات،ونتناقش فيها مرات أكثر، بل ونحاضر بقية الطلاب بمحتواها..إلي أن أصبح له مريدون كثُر وعشاق، وآن الأوان ليلتقط أحدهم الفرصة، ويستجلب الدكتور إلي السودان.
(3)
وبضربة معلم، استشف مركز تدريب(مركز دراسات الجودة والإمتياز) نفوذ شهرة الفقي، ونظم اول زيارة له للسودان في يناير 2006. ففرحنا بها فرحاً، بل وكنا المرِّج الرئيس لتذاكر أمسياته ودوراته،حتي ضاقت صالة عفراء بالحضور،وامتلأت جنباتها بالواقفين ! وكنّا وكنت في زمرتهم طبعاً..وأخيراً التقيناه عياناً بياناً،خفيف الظل،طريف النكتة،عميق المعاني،وافر الحماس.
سألني: اسمك مين ؟ قلت: زرياب،قال: زرياب الفناااااااااان،بطريقة أضحكتني وأضحكته وتناول مني كتاباً كنت احمله فكتب عليه: إلي الفنان زرياب. دار هذا الحوار بيني وبينه في زيارته التالية-2007- وشاءت الأقدار أن أكون أحد العاملين في المركز المنظم للزيارة،وأحد المساهمين في تنسيقها.وكان ذلك عندما اتصل بنا طالباً زيارة القاعة التي سيلقي فيها محاضرته ليتأكد من جاهزيتها قبل وقتِ كافٍ،وفي الموعد المحدد دخل علينا مع سائقه،فقلت: ماشاء الله ! بطل سينمائي ! في إشارة لخفة حركته وهياته الرياضية التي دخل بها،مع النظارة الشمسية،ومشيته فارداً ذراعيه ورجليه..وماهي دقائق،إلا وأجري تعديلات ربما تحدث لأول مرة في القاعة(قاعة الصداقة)، حمل معنا المنبر بعيداً عن المنصة،أبعد كل الاثاثات والاجهزة التي يمكن ان تحول بينه ومستمعيه،أو تعيق حركته(فهو يحب الحركة علي المنصة،بل طلب التأكد من جاهزية الصوت والإضاءة،وبعد ململة وجرجرة من مسؤولي القاعة بحجة أنهم جاهزين"موية ونور وما محتاجين تجريب"،قمنا باختبارهما،وبالفعل اتضح أنه ثمة أشياء تحتاج إصلاح،وكنا حنشرب المقلب لولاه..لقد تعلمت منه لحظتها الدقة،وحق التوكل،فدوماً كان يقول: التوكل أن تفعل جميع مابيدك،وليس ألا تفعل وتنتظر.
(4)
"أنا جاي أحضر تنمية بشرية، مش جاي لمحاضرة دينية" قالها لي-بصحبة صديق آخر- أحد الشباب محتجاً علي ما أسماه زيادة الجرعة الدينية هذه المرة عند الدكتور،وكنا خارجين تواً من إحدي محاضراته بذات القاعة،في زيارته الثالثة-2008تقريباً أو 2009- وأيضاً كنت قريباً من الجهة المنظمة لها وعلي اطلاع بتفاصيلها، واستوقفتني وصديقي ملاحظة الشاب رغم اختلافنا معه،وفي ذات الوقت فرحنا لروح التأصيل والاسلمة التي بدت تظهر أكثر علي أعماله،فقد كنا في بدايات تعرفنا عليه نتحفظ علي تأثره الواضح بالثقافة الغربية، وكنا نعذره انه منذ بدايات الشباب وإلي بداية الشيب عاش في كندا.ولكن رويداً رويداً كان التأثر يزول،وأحسسنا فعلاً هذه المرة بروح دينية طاغية تسري فيه،تزيده حماساً،وزادت من قبول خطابه عند الناس،وكأنه يودع جمهوره بتلك الروح الدينية المتزنة،ويستأمنهم ألا ينسوا ربهم،ويطلبوا دعمه،فهو سبب كل نجاح وتوفيق.
(5)
وكانت تلك آخر لقاءاتي به عن قرب،رغم حضوري له في زيارته الرابعة،ولكن كانت هذه أقربها وأكثرها تأثيراً،وقبل أن ينهي محاضرته قال قولته المشهورة: "عش كل لحظة كأنها آخر لحظة لك في الحياة، عش بالإيمان، عش بالأمل، عش بالحب، عش بالكفاح.. ، وقدّر قيمة الحياة"
وكانت تلك آخر تغريداته علي حسابه بتويتر،قبيل وفاته..إلي جنات الخلد ، من تعب وضيق الدنيا، إلي راحة وسعة الآخرة..آمين
زرياب العقلي – 13 فبراير 2012م

هناك تعليق واحد: