الاثنين، 20 فبراير 2012

نقاطُ التميُّز..سرُّ العدل الإلهي !

(1)
ذات يوم،وأنا بعمر المرحلة الثانوية، خرجت أتجول بشوارع الحي،حائراً ضائقاً بنفسي، ابحث عن جواب لسؤال واحد: لماذا ليس لدي مايميزني؟ أريد أن أفعل شيئاً،أن أكون مختلفاً ! أن اخدم بلدي، وديني، بدون أن اعرف فيما وبما ساخدمهما علي وجه التحديد،بل لا أعرف.حتي نزلت دموعي زرافات احتجاجاً علي ما أسميته فقدان الهوية لحظتها،ودعوت ربي والإحساس يفتك بي: رباه استخدمني، أرني مواطن قوتي،ونقاط تميزي، أريد أن افعل شيئاً، الناجحون بشر وأنا كذلك،وأستطيع فعل ما فعلوا، ولكن اعني علي اكتشاف نفسي..ثم عدت قافلاً إلي البيت.
(2)
ومرّت الشهور والسنون وأنا أبحث ما يميزني عبر التجريب، وهيأ الله لي أن ادخل في العمل الطوعي طوال سنيِّ الجامعة متنقلاً في أكثر من عمل،في كل مرة أقول: وجدتها وجدتها،ثم أحيد عنه إلي غيره.
أنشأنا فرقة مسرحية صغيرة فتعلق قلبي بالتمثيل وحسبته ضالتي،ومشيت فيه شهوراً وفتحت علاقات،لكني لم أجد فيه نفسي،وتركته إلي التدريب والمحاضرات في التنمية الذاتية للطلاب وحسبتها كذلك، ولم تكن بالدرجة التي أريد،ومرات عديدة حاولت كتابة الشعر ففشلت..إلي أن لا حظت ثناءً غير طبيعي ممن يقرأون مقالاتي وقصصي اللأدبية التي أكتبها علي منتديات الإنترنت،حتي أنهم ألحوا علي بإيلاء هذه الموهبة اهتماماً تستحقه حسب زعمهم،وبالتوجه للصحافة بدلاً من الإكتفاء بوعاء الإنترنت،فاستجبت لهم،وأصبحوا يستكتبوني للتعبير عن قضاياهم،ورويداً رويداً،علمت علم اليقين أني وجدت ضالتي.الكتابة. بها أعبر، وبها ساخدم ديني وبلدي،وميزتي أن لي فيها أسلوب لا -ولن-يجاريني فيه أحد(إنها موهبة الله لي)،مثلما للطيب صالح طريقة لا تنازع في الرواية،ومثلما لفيروز صوت خاص ومعجِز،ومثلما لعمرو خالد من طريقة دعوية لا تقلد ولا تنافس.هي شيئ يخصني وحدي ليس لأحد مثله،مثلما لكل الآخرين ما يميزهم ولو كانوا توئم..وحمدت الله لاستجابة دعوتي،ولو بعد حين، ولتحقيق عدله فيَّ !.
(3)
ولكن الكثيرين اليوم.بفضل العلم. لا يحتاجون المرور بتلك التجربة الطويلة المتقلبة،فثمة خطوات تم تطويرها من خبراء التنمية البشرية والإدارية تساعد في الكشف عن نقاط تميزنا،العلامة الحصرية التي تخصنا دون سوانا.وذلك كما يلي:
أولاً علينا تحديد موهبتنا التي نبرع فيها علي وجه الدقة،والموهبة تختلف عن نقاط التميز.فمثلاً أحدهم يكون موهوباً في لعب كرة القدم،فتلك موهبة عامة،والميزة شيئ أكثر تفصيلاً داخل الموهبة،فالكثيرين يلعبون الكرة ولا بد من علامات تفوق.ومن هنا قد تكون نقطاط تميز اللاعب في الهجوم الرأسي ومن الأطراف مثلاً،أو قدرته علي الهجوم والدفاع معاً،وهكذا دواليك إذا كانت موهبة اكاديمية أو أدبية أو فنية أو رياضية أو غيرها.

(4)
وثمة أسئلة تساعداننا في الكشف عن موهبتنا، منها معرفة الشيئ الذي يمكن أن نعمل فيه لساعات طويلة وبحب ودون ملل، أو ملاحظة الشيئ الذي دائماً ما نقضي فيه أوقات فراغنا، وكذلك الشيئ الذي يلفت إنتباهنا دوماً ونتابعه بشوق في حياتنا اليومية،فيما نشاهده ونسمعه ونقرأه(بالتلفزيون والإذاعة والصحافة والإنترنت)،كما يمكن مراجعة أفضل إنجاز عملناه في حياتنا إلي الآن،فنقطة التميز غالباً تكون حاضرة وقت إنجازه هناك،وسبب رئيس فيه.كما أن ملاحظة سبب مايشدنا لمن نتخذهم قدوات لنا قد يكون له علاقة بموهبتنا.فالناس يقتدون بأشباههم.ويمكن الأخذ في الإعتبار الشيئ الذي نجد فيه إشادة شديدة وإطراء ممن حولنا.ثم بعد أن ندون كل تلك الأشياء،نقوم برصد الموهبة.أو الموهبتين.الأكثر تكراراً،وبذا نكون عرفنا موهبتنا.
والخطوة الثانية هي تحديد نقاط تميزك في موهبتك،وذلك يتحقق بمقارنة نفسك بآخرين يحملون ذات الموهبة وملاحظة ما يجعلك مختلفاً عنهم،وما الشيئ الذي تستطيع فعله بجودة أكبر منهم،أو تفعله ولا يقدرون علي فعله،فدائماً هناك إختلاف ولا يوجد شيئان متطابقان، لتحصل بذلك علي نقاط تميزك،ومن قبلها حصلت علي موهبتك.
(5)
معرفة مواهبنا يساعدنا كثيراً في إختيار مسارنا الأكاديمي وتخصصنا الجامعي بدقة وفي وقت مبكر، و يمكنّا من إخراج الإبداعات الكامنة في نفوسنا نتيجة معرفتنا لها وتوظيفها،ويجعلنا أكثر سعادة في أعمالنا لاننا سنعمل فيما نحب وليس ما يختاره لنا الآخرون أو نختاره بعشوائية، وسيمكنّا من العطاء لانتماءاتنا بأفضل ما يكون، ومن أنفس ما نتقن ونحب.ولا يقولن أحد،ذكرٌ أو انثي: ليس لدي ما يميزني، الناجحون لديهم قدرات خارقة ليست عندي،لا أستطيع فعل شيئ مختلف..لا ، أنت بذلك تشكك في العدل الإلهي، عليك بالإجتهاد والبحث،وطلب العون منه جل وعلا، وستجد ضالتك إنشاء الله.
زرياب العقلي – 6 فبراير 2012م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق