الخميس، 28 أكتوبر 2010

الحُب السوداني البديل

إنني أزعم أننا (نحن السودانيون) من أكثر شعوب الإنسانية تقديراً وإحتراماً لمن نحب ونعز – وهو ظن لا يقصي الجهود الإنسانية الأخري للإحتفاء بعلاقات الود والحب –
والعجيب في هذين التقدير والإحترام الذين نكنهما لأعزائننا أنهما لا يتوجان بقبلة – لمن تجوز بينهما القبلة مثلاً , ولا بتصريح , ولا بكلماتٍ وتعبيرات معسولة .. وهذا ما يجعلني أصر علي ظني أعلاه , فنحن هكذا جبلنا مجتمعنا , لا تعرف ألسنتا البوح والتصريح ’ لكن سلوكياتنا دائماً تفوق الكلمات روعة وتصريحاً المميزه (أن نظهر حبنا وتقديرنا مع هرب من مصيدة التصريح).بل لو دخلت عليها الكلمات لأفسدتها وجردتها من نكهتها السوادنيه الخالصه

ولعلك لذلك ترانا من أقل الناس تقديما لعبارات الود والحب , و لايتجاوز قاموسنا العبارات العاديه (كل سنه وانت طيب, يديك العافيه ويهنيك ,ربنا يسعدك,مشتاقين) ولن تجد كلمات (أحبك ,حبيبي ,نور عيني , عزيزيي...) بين أخ وأخيه , أو ولد ووالد , أو زوج وزوجه , أوصاحب وصاحبه , لكنك حتماً – لو دققت – ستشاهد وتسمع أفعالاً واقوالا رائعه لايسعها ذاك الماعون الضيق لتلك الكلمات.
فتري ولداً يشقي نفسه في عمل منزلي أو إصلاح أشياء كسرت وتعطلت , ثم يختمها بغسل عربة والده , والبنت تشتري هدية بسيطه فتقدمها لأمها عل اسحياء .. فتنهي المشهد وتهرب بسرعة محاولة الإنشغال بشي ما خوفاً من إنفجار عواطفها.. وكأنما يقولان لوالديهما (نحبكما ونقدركما وهكذا نعبر لكما).

وإذا اختلست النظر ستري زوجة وقد تفننت في توضيب منزلها , ومائدة طعام زوجها , وأوصت أبناءها:(أبوكم تعبان .. ما تزعجوهو) فلم يسمع صاحبنا عبارات حب وتقرب وتهوين لنصبه , لكنه رأي أفعالاً تفوقها جمالاً وتعبيراً.
وذات الزوجة يرد لها زوجها جميلها .. فتسمعه  يقول لها :(والله ماقصرت , ربنا يكرمك .. أفتحي الكيس ده فيهو حاجات جبتها ليك !!) هكذا يعبر صاحبنا عن مشاعره .. وهكذا تفهم صاحبتنا أن رسالة عاطفية أرسلت لها دونما استرسال في التعبير.
وتري صديقاً يعانق صديقه عناقاً شديداً زادت حرارته أن أحدهما عاد من سفرة طويله , فيبادله الذكريات , ويقدم له الهدايا .. ويكتشف أن صاحبه كان يتفقد أسرته في غيابه , وربما كان مستقبِله الوحيد في المطار فجر ذاك اليوم وقائده حتي مكان إقامته.

وهكذا – في الغالب – في علاقاتنا والتعبير عنها , لا نجيد زلق الكلمات الحلوه من ألسنتنا لكن أفعالنا تحل بديلاً لها , وما أروعها من بديل.

زرياب العقلي
أمدرمان – 7/ مارس / 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق