الخميس، 28 أكتوبر 2010

عُرسُ العافية

(1)
"الله يديك العافية" هكذا يدعوا لي كل من أسدي له معروفاً أو فعلاً حسناً, لكنني اجيبه بطرافة: "العافية عرسوها" شوفلي غيرها,في إشارة إلي تلك الأسطورة التي كانت تحكي لنا ونحن أطفال عن تلك الفتاة الحسناء الخلوقة التي تسمي "العافية" , وكيف أن جميع شباب وشيوخ قريتها يطمحون في الفوز بها كزوجة لعظم حسنها وأدبها, بل كل أم تقول لولدها متمنية: الله يديك العافية. وهكذا نما في أذهاننا -منذ الطفولة- أن الفتاة المثالية يجب أن تكون "زي العافية والا بلاش" , حسنٌ وأدبٌ وأخلاق.
(2)
وما يزعجني اليوم ليس غياب قصة العافية, ولكن تلك المؤسسة الإعلامية  التي كانت تثقفنا بهكذا قصص وحكاوي(مؤسسة "الحبوبة أو الجدة), وتفرد لنا كثيراً من وقتها لأجل ذلك,وتنع من اساليبها بين القصة واللغز والشعر والفن الشعبي..وتكون النتيجة
ترسخ ثقافة وهُوية في أذهاننا تعيننا لقادم الأيام. ولكن بما أن مؤسسة الحبوبة وقفت – أو اوقفها التغير الإجتماعي– عن القيام بهكذا أدوار, فلا بد من مؤسسات إعلامية بديلة تقوم به, فلا يعقل ألا تكون عندنا –في السودان- قناة واحدة (صوتية أو مرئية)مخصصة للأطفال !؟ فكيف نثقف هذه الأجيال بمايعينها في مستقبلها, وكيف نغرس فيها هويتها, وكيف نذودها بأبجديات دينها, وكيف نرسخ في أذهانهم صورة "العافية" فتسعي كل الفتيات -عندما يكبرن- لأ يكن مثلها, ويسعي كل الشبان لخطوبة ودها, كيف ذلك والإعلام هو الآن المؤثر الأعلي علي البشرية كلها ؟؟؟
(3)
لكن مما يثلج الصدر أن قناة جديدة للأطفال بدأ إنشاؤها – هنا في السودان-, والعجيب ان القناة إسمها "قناة عافية" , قناة ستحل محل الحبوبة التي غيبت, ستعلم أطفالنا –حسب ماقال مؤسسوها- أمور دينهم وتعرفهم بسيرة نبيهم, وتثقفهم بأمور دنياهم. وإن كنا لم نشاهد بعد إنطلاقة بثها لنصدر عليها تقييماً حقيقياً, لكننا نبارك الخطوة بشدة, ونتمني لإدارة القناة أن تكون من سياساتها: الشمول والبساطة,والأصالة والحداثة, والإبداع والقيمة العالية. لتتفادي بذلك أبرز عيوب برامج الأطفال التي تقدم في وسائطنا الإعلامية المحلية.
(4)
ومما يثلج الصدر أيضاً أن ممن يقفون وراء القناة الفنانة " العافية حسن" , والتي إعتزلت الغناء عن قريب..وفرحتنا هنا تكمن في أن الفنانة العافية لم تبتعد كثيراً عن مجالها بعد توجهها الجديد,ووجدت توظيفاً جيداً لموهبتها وإمكاناتها,وواصلت مشوار إبداعها..وأنا أحس بإرتياح لهذا التوجه منها لانني دائماً ما أشفق علي هؤلاء الفنانين حين يعتزلون ويتوجهون هذا التوجه. فإما ان يستغلهم أحدهم ويوجههم توجيهاً خاطئاً بعيداً عن مواهبهم وإمكاناتهم ومجال تفوقهم,وإما أن ينجح الضغط والإغراء الإعلاميين في إرجاعهم عن توجهاتهم الجديدة ومخالفة رغباتهم وضمائرهم..لكن هذا ملم يحدث مع الفنانة العافية والحمد لله.
(5)
وإننا لسعيدون الآن لأن الفنانة "العافية" إجتازت الإختبار,ولأن "قناة عافية" حلت محل الحبوبة,ولأن قصة "العافية" الحسناء ستحكي للأطفال من جديد..لذلك سأذهب أنا لأنام نوم "العافية" فالساعة الواحدة صباحاً الآن.
زرياب العقلي
20 أكتوبر2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق