الخميس، 28 أكتوبر 2010

رحلة سياحية


منذ وقعت عيناي علي أخبار التأريخ, ومنذ دخلت آذاني أنغامه,منذ ذاك الحين وأنا أتجول يومياً في شوارع ومدن تركيا وإسبانيا..أزورهما عبر صفحات الكتاب, وعبر روايات المشاهدين..حتي كدت أحفظ كثيراً من تفاصيلهما..ووضعت برنامجاً في ذهني لزيارتهما كما لو كنت أحداً من سكانهما..وكل ذلك: لأشاهد آثار المجد الأندلسي والعثماني هناك..وإليك جدول الزيارتين

أولاً:زيارة الأندلس(إسبانيا):
سأبدأها –علي عكس ما تبدا الزيارات للبلدان-بالوقوف عند قبر ذلك الشاب الذي قدم إلي الاندلس هارباً من قتل العباسيين..فأسس دولة مانعة ترفع راية الإسلام,وتهتم بالعلماء,بل وبالعمارة والفنون..فجعل من الأندلس تحفة تتعجب منها أنظار أوروبا..وعندما توفي قلبوا دفاتره,فإذا هو كان يحصي أيام صفائه وراحته طوال ال(40)عاماً التي حكم فيها الأندلس,فإذا هي لم تتجاوز ال(14) يوماً..سلامٌ عليك يا:عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)كما يحلو لك أن تلقب.
وسأزور ذلك المعرض الفني البديع المتكرر في كل مدينة من مدن الأندلس..زاهي الألوان,معتق السقف بالفسيفساء,مشكلة جدرانه بأجمل الخطوط والنقوش,في كل ركن وزاوية منه قطعة فنية تنطق عن نفسها,كله جميل وبديع(فوق وتحت,وعن يمين وشمال)..مكان جعلت منه أيدي الفنانين وقلوبهم المؤمنة رمزاً صامداً إلي اليوم(في إسبانيا)..بالطبع أتحدث عن المساجد لاغير.
سأزور مجالس زرياب: ذاك الذي لم يرض بأوتار العود(الخمسة) فأضاف إليها الوتر السادس..ذاك الذي يؤنس بضربات عوده الملوك,ويريح بها آذان العاشقين..ويحمس بها قريحة المجاهدين..فالكل كان هناك يعمل في تناسق..الكل يمرح,والكل يجاهد..الكل يطرب,والكل يغضب لأجل الإسلام..وفي النهاية يعزف زرياب مقطوعة فإذا بالكل يضحك,ويعزف أخري فإذا بالكل يبكي,ويعزف أخري فإذا بالكل ينام..ثم يأخذ زرياب عوده وينصرف,أو كما يقول الخبر,خبر صادق في وصف المشهد آنذاك..وإن كان مكذوباً.
سأدخل علي تلك المكتبة الضخمة,التي كانت تحوي أكثر من(600.000) كتاب حينها,كتبٌ تتحدث عن كل شيئ,وعن كل خبر,وعن كل علم,وعن كل فن..كتبٌ أبدع المؤلفون في تأليفها,والخطاطون في كتابتها وتلوينها وزخرفتها,والدباغون والوراقون في تجليدها وكسوتها..مكتبة حاول أحد ملوك فرنسا حينها أن يقلدها,فما قدر سوي علي جمع(600) كتاب أغلبها دينية تتحدث عن اللاهوت.
سأزور مجالس الشعراء,تلك التي لاتمل,ولا تبارحك الدهشة حينما تسمع مايتلي فيها..تلك الآلة الإعلامية الضخمة آنذاك..تستطيع أن تجعلك نجماً عظيماً وبطلاً هماماً في يوم وليلة,وتستطيع ان تفتك بك كذلك..وكل ذلك بنظم لأبيات من الشعر فيك..بل إن ملكة فرنسا توسلت لأحد أولئك الشعراء-عندما زارها-أن يمجدها ويعلي من شأنها عند قومه عندما يرجع,عبر شعره.
وجدول الزيارة طويل وطويل لا تسعه الصفحات ,ولا وقتكم المخصص للقراءة
ثانياً:زيارة تركيا:
سأبدأها بالمرور علي تلك الرقعة بين تركيا وألبانيا..والتي خرج منها(عثمان أرطغرل) ومعه مجموعة من أبناءه وقراباته وأصدقائه,فقرر أن يبدأ جهاداً لأجل نشر الإسلام هناك..فبدأوا متوكلين علي الله. فإذا بالفتوحات تتسع وتشمل جميع تركيا ثم  بلاد العرب وأوروبا..فسميت الدولة فيما بعد بالدولة العثمانية علي إسم مؤسسها(عثمان أرطغرل).
ثم سأزور قبر سيدنا(أبو أيوب الانصاري)الذي أستشهد ودفن علي أعتاب سور مدينة القسطنطينية(إستانبول) عندما حجاول فتحها آنذاك ولم يفلحوا في فتحها فأفلحوا في نيل الشهادة.
سأصلي في مسجد محمد بن مراد(محمد الفاتح)ذاك المسجد المبني علي طراز عظيم يضاهي عظمة صاحبه..ذاك الفتي العثماني الذي حكم الدولة العثمانية ولم يبلغ العشرين بعد, ذاك الذي فتح القسطنطينية المحصنة بسورٍ وبحر يستحال قطعه أو العلو فوقه..لكنه أعجز أهلها وحماتها وباغتهم بفكره البديع. فمرر السفن عبر الصحراء,وصنع دبابات ورافعات تحمل حنوده فوق السور إلي داخل المدينة,وحفر خنادق تحت السور نفوذاً بجنوده إلي داخل المدينة..فأصبح أهل المدينة وبينهم ضيوف لم يعرفوهم,فإذا هم الفاتحين..كل ذلك ولم يتجاوز عمره ال(19) فصدقت فيه نبوءة الرسول الكريم:نعم القائد قائدهم(أي الذين يفتتحون القسطنطينية) , ونعم الجيش جيشهم.
سأزور قصر السلطان عبد الحميد(الثاني)..هذا القصر الذي كان يدير منه العثمانيون العالم, وتهابه أوروبا, وتمني النفس بإضعافه والإستيلاء إليه..فساوموا عبد الحميد علي بيع فلسطين لهم بأموال كبيرة-وكانوا قد إستغلوا ضعف الدولة العثمانية آنذاك وإقتراب عهده بالزوال- فقال لهم قول الحاكم العفيف الذي يعرف أن التأريخ لا يرحم لو فعل: لن أبيعها لكم فوفروا أموالكم,فلربما يأتي زمان تأخذوها فيه من غير مقابل..وذلك الذي حدث بعد سنوات عندما ضعفت الدولة..وفقد القصر هيبته..

سأحاول معرفة أين يرقد (سعيد النورسي) ذلك الذي الرجل الغريب الذي أتعب العلمانية في تركيا حياً وميتاً..كانت هيأته محط تعليق من الجميع,ففي حين كان الجميع في تركيا يرتدون البنطال والقميص,عاش هو يرتدي سروالاً فضفاضاً وجلباباً,ويحمل في خصره خنجرأً ومسدساً طوال اليوم..هكذا كان بدوياً في مظهره وطباعه..لكنه لم يرتح عندما رأي العلمانية تجتاح تركيا الحديثة,ورأي أن يواجه هذا المد العلماني بتجديد فهم القرآن لدي الناس..فعكف علي كتابة رسائله(رسائل النور) التي تظهر معجزات وخفايا ولطائف القرآن..فنجح في مهمته وهزت رسائله تركيا من أولها لآخرها..فلم ينجح نفي الدولة له وسجنه في منع تسرب كتاباته إلي الناس..وعندما مات ودفن..واصلت الدولة العلمانية مطاردتها له وأخذت جثته إلي مكان غير معروف إلي الآن..خوفاُ من زيارة الناس له وتعلقها به..رحم الله سعيد.
سأحاول لقاء(رجب أردوغان) رئيس الوزراء الحالي وحفيد العثمانييين الجديد كي أبدي إعجابي ومناصرتي له وهو يرفع من شأن الإسلام والمسلمين..ويعيد إلي الذاكرة مجد العثمانيين..ربما أنني أحلم في هذا البرنامج الأخير..لكنني نويت والأعمال بالنيات.
وجدول الزيارة طويل وطويل لا تسعه الصفحات ,ولا وقتكم المخصص للقراءة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق