الأحد، 12 فبراير 2012

مشكلات الأغنية الإسلامية العربية

(1)
مثلما تشهد الساحة الإسلامية "تطوراً" في فكرها.كانت نتائجه أن تيارها السياسي باء بأغلبية لا بأس بها،وحاز قدم السبق في إنجاح الثورات الأخيرة،وكذلك علي أغلبية الأصوات في صناديق الإقتراع(كما في كل من تونس ومصر).كذلك نري تطوراً حدث في الأغنية-أو النشيد للذين يختلفون مع التسمية- كجزء من منظومة النشاط الإسلامي،لكنه،في رأينا بطيئ قليلاً مقارنة بتطور الإسلام السياسي،وتلزمه بعض المراجعات وتلزمه بعض المشكلات ، نرجو أن نوق في التعرض لها.
وقبل أن أذكر ملاحظاتي،جدير بي أن أذكر مفهومي للأغنية الدينية،والذي أبني ملاحظاتي عليه: وهو أنها ليست مختصة بمواضيع الدين والآخرة فحسب،بل كل مواضيع الحياة أيضاً،وأنها يمكن أن تكون أداة تسلية عن النفس إضافة للوعظ،وأنها ذات رسالة وبالتالي لا نستبعد دورها السياسي والاجتماعي والإقتصادي.
(2)
أولاً: مشكلة التقليدية: وأولي الملاحظات أن الأغنية الدينية مازالت تحتفظ –نسبياً- بشكل تقليدي،رغم الإنفراج التكنلوجي،وتغير زوق الناس.مما يفقدها بعض الجمهور،خصوصاً الشباب والمراهقين،والذين يميلون للحماسة والشاعرية .في المحتوي وإلي رؤية المؤدي في زي عصري.في حين يميل صناعها إلي تقليل إستخدام المؤثرات الصوتية ، وإلي الطول والرتابة في اللحن،وربما تكرره،وفي الأداء أيضاً. وهنا ننبه المشتغلين بها إلي أن زوق الناس تغير إلي حب الأغنية الخفيفة ،وهم في عجلة من امرهم بحيث يحبذون قصرها.

(3)
ثانياً:مشكلة الفكرة: ونقصد بها أن أفكار الاناشيد تكرر بعضها ، وتطرح مهدئات أكثر مما تعطي علاجات جذرية أو آنية(وتلك الصفات ملاحظة في الأغنية العاطفية أيضاً بشكل أكبر)،وكذلك تحصر نفسها في المواضيع الدينية فقط،وهذا في الحقيقة إغفال لمشاكل المتلقي،وتفويت لفرصة التأثير عليه.فمثلاً يقل أن نجد أنشودة تتطرق إلي الوضع الإقتصادي،أو الظواهر والمشاكل الإجتماعية أو تنادي بالحريات ،أو حتي تتناول الوضع السياسي.في حين أن تلك جوانب يتعاطي معها المتلقي يومياً ويعانيها،وتجنب التطرق لها،وتقديم موضوعات دينية بحتة يرسخ في ذهنه بعد هذا النشيد عن واقع حياته،وأن ثمة إنفصالاً أو تباعداً بين موضوعات الدين وبين السياسة والإقتصاد والمجتمع!!.وهذا غير صحيح طبعاً.
(4)
ثالثاً: مشكلة اللغة والكلمة: فالكلمة في الأغنية الدينية الموجود حالياً صعبة بحيث تحتاج لتبسيط أكثر.كما أن معانيها وصورها مركبة تحتاج لتفكيك وتيسير،وبالتالي يجد المتلقي صعوبة في إستيعابها من أول مرة،ولربما ذهل عنها لذلك–خصوصاً إذا لم يكن من المثقفين،أو كان شاباً يافعاً.
كما أن لغتها مجملاً تنطق بالعربية الفصحي،وهذا جيد،لكن لا بد من إستخدام لغة الناس،حسب بلدهم،وحسب منطقتهم. أو إستخدام كلمات فصحي مفهومة ومتداولة. فالمتلقي اليوم ليس الذي كان بالأمس،إنه مشغول،ومحاط بالتحديات والمشاكل،ولذا يميل إلي الكلمة البسيطة والسهلة.
ومحتواها يميل إلي الوعظ ،وهذا مطلوب،وهو فجوة يسدها الإنشاد الديني ويتصدي لها وحده،ولكن كما لمحنا فإن المدخل لإنسان هذا العصر هي مشاكله وليست ذنوبه،وطموحاته وليس إخفاقاته،والترفيه وليس الجدية.ولذا علي صناع النشيد إحداث إنفراج في محتواه ليطال تلك العوالم،إضافة للوعظ.
(5)
رابعاً: مشكلة اللحن: وللحقيقة نري أن اللحن أضعف حلقات الاغنية الدينية،إضافة للكلمة،وذلك أن الألحان ثقيلة في مجملها،وتتصبغ بالجدية،وأحياناً تميل إلي الجنائزية،مما يجعل قلب المتلقي-الإنسان العادي،أوالغير الملتزم- ينقبض منها.في حين أن هذين الفئتين هما الشريحة الحقيقية المستهدفة ،فالملتزم بطبيعة الحال سيستمع النشيد بأي حال،ولكن لكي نجذب متلقي من نوع آخر لا بد من البعد عما ينفره،وإتيانه بما يقبل.ولذلك نجد أن أنجح الاناشيد رواجاً هي تلك التي لحنت بلحن يموج بالحياة ،ويخاطب منطقة الأمل والمرح عند الناس !!.
(6)
خامساً:مشكلة المنافس: وأعني به الغناء العاطفي،فعلي الأغنية الدينية أن تعلم انها تنافس نوعاً من الفن لديه القليل من الخطوط الحمراء،ومتغافل عن رسالته(نسبياً)،وبالتالي يستخدم كل ماهو متاح من أساليب التطريب لجذب المتلقي،ويتفنن في كلماته وألحانه وفنانيه،وبالتالي عندما يستمع المتلقي لأي نوع آخر من الفن سيقارنه بالغناء العاطفي-وإن كانت لا تصح المقارنة- ، ولكن إدراك هذه الجزئية عند صناع النشيد،سيجعلهم يبدعون ويبتكرون في صناعتهم(مع المحافظة علي ثوابتها ورسالتها) ، ويقدمون شيئاً يقدر علي المنافسة،وجذب متلقي الأغنية العاطفية.
(7)
سادساً: مشكلة الإعلام والتسويق: وأقصد به التقصير في الترويج وأساليبه الحديث،فجزء كبير من رواج الشيئ يكمن في طريقة تسويقه ووسيلتها.وهنا نلاحظ أن الإنشاد كان إلي وقت قريب مقصر في الإنفاق الإعلامي،من حيث الأغنية المصورة،وتخصيص قنوات وإذاعات للنشيد.فرغم التأريخ الطويل للإنشاد،فأنا لا أعرف حتي الآن إلا قناة فضائية واحدة مخصصة له،في المنطقة العربية(وحتي لو كانت أكثر بقليل فهذا لا يكفي)،في مقابل عشرات مخصصة للأغنية العاطفية !!.فكمية المنتج من النشيد كبير ، ولكن ينقصه بوق ينطق به،وهذا البوق هو الإعلام والفضائيات في هذا العصر. فنتمني علي صناع الإغنية الدينية والنشيد، العمل علي إستجلاب رؤوس أموال،وإطلاق قنوات إذاعية وتلفزيونية متخصصة.
(8)
وأخيراً دعوني أهنئ صناع ومتلقيي الأغنية الدينية علي التطور الذي حدث بها،فما ملاحظاتنا هذه إلا بهدف دفع عجلة التطور تلك.ودعوني أذكر صناعها أن ينتبهوا إلي الآتي:
إستصحاب حاجة الناس للترفيه والألحان والمعاني الخفيفة،ومراعاة إختلاف مستويات المستمعين،وإختيار كلمات سهلة الفهم والهضم،وطرح لغة سهلة وألفاظ غير مركبة،وتوسيع موضوعات الأغنية الدينية لتتعدي الوعظ إلي خوض غمار الحياة بكل تفاعلاتها.
زرياب العقلي - 11 ديسمبر 2011م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق