الخميس، 9 فبراير 2012

يومين في المستشفي !!

(1)
ما هذا الصباح واليوم الجميل الذي سأقضيه بهذا المشفي ، الساعة الآن الثامنة صباحاً ، ونحن لتونا قادمين ، أنا مرافق ، وهو مريض ستجري له عملية جراحية متوسطة بعد ساعتين من الآن ، حسب ما هو مقررٌ له.
يا الله ! ما هذا المبني الجميل ، و ما هذي النظافة و النظام ، و ما نلك الوجوه الحسناء !.فالمبني يخطف إعجابك أول ما تدخل ، وحركة عمال النظافة تجعلك ترتاح رغم ضجيجها ، والزي الموحد للموظفين ، ذو اللون الهادئ ، ترتاح له عيناك ، و مسك الختام منظر الممرضات الحسناوات، وحسن المعاملة المتبدَّي منهن !..عموماً يبدو أننا سنقضي وقتاً جيداً مع خدمات ممتازة، كيف لا ونحن في حضرة مشفيً خاص ، وليس حكومي.

(2)
السلام عليكم ، عندنا عملية هنا الساعة عشرة.تكلمت إلي الموظف المسؤول وأعطيته التفاصيل.فقال:طيب اتفضلو أقعدو جمينا هنا.
وانتظرنا طويلاً ريثما يدخلوننا الغرفة المخصصة لنا، لنضع اغراضنا ونستريح فيها قبل إجراء الجراحة..وانتظرنا وطال انتظارنا ، حتي فرغ صبري،ونفذ القلق إلي رفيقي المريض-والقلق غير محمود للمرضي قبل العمليات- وقمت بثورة "زائفة" علي وجوه الموظفين: شوفوا بالله،عشرة دقايق بس ، إذا ما وفرتو الغرفة ، انا حبلغ المدير الإداري أو الطبي بتاعكم،كيف تحددو عملية لمريض وماعندكم ليو غرفة فاضية؟.فشعرت بالخوف وقد كسي وجوههم ، وتهللت فرحاً بهذا الإنتصار الذي حققته للتو، ومشيت عنهم متظاهراً أنني أبحث عن مكتب المدير.وجاء تهديدي بنتيجة،فما هي إلا دقائق وكنا داخل الغرفة.
(3)
ودخلت إلينا إحدي ملائكة الرحمة قائلةً بحشمة ووداعة: ممكن تملو لينا بيانات الإقرار ده ؟.فعاجلتها أكيييييد ، ليه لا ! ، وقبل أن اوقع قرأت ما معناه الآتي: أقر أنا (فلان) الفلاني،أو من يوكله، بأنني أوافق علي إجراء العملية، وقد قام (الدكتور فلان) بشرح طبيعتها ومضاعفاتها لي.إنتهي.وتحقيقاً مني لمحتوي هذه الفقرة، سألت صاحبي: الدكتور شرحليك ؟ فأجابني بما يفيد العكس.فقلت للجميلة التي أمامي، وآلمني وآسفني أن أرد طلبها:خلي الدكتور يجي يشرح ليو وبعداك حنمضي.
من هذا الذي يريد أن نشرح له ؟ نعمليو محاضرة يعني ؟ ما معروف إنها عملية وخلاص. بهذا العنف اللفظي دخل علينا الطبيب الذي سيجري الجراحة غاضباً ، وكأننا شككنا في مهنيته، أو طلبنا ما ليس من حقنا !.ولكن اللوم ليس عليه ، بل علي آلاف المرضي ووكلائهم الذين يوقعون الإقرارات دونما شرح وتفصيل واستحقاق لبنودها.
(4)
حمد الله علي السلامة ، قالت الحسناء برقة، قلت: الله يسلللللللللللللللمك، وقاطعنا صاحبي المنفك للتو من آثار(البنج) طالباً التيمم لصلاة الظهر..ولكن من أين لي بحجر أو تراب؟ نظرتُ جدران الغرفة الأربعة وفضاءها بحثاً عن حجر ملصق بها أو حفنة تراب موضوعة، علي غرار ما رأيت بإحدي المستشفيات –أو الفنادق- خارج بلادي، فما وجدت،ولم أجد بالمستشفي عموماً، ونزلت أسفل إلي الشارع وحملت كيساً عبأته بحفنة تراب، علي مرأي عدد من الناس ينظرون إلي بشيئ من الريبة، وأظنهم قالو في قرارة أنفسهم: مجنون ده؟ عاوز شنو بالتراب ده؟ أكون بفتش لي دهب؟.وعدت بالتراب للغرفة، لأبدأ رحلة بحث عن "سجادة" لأصلي بها أنا،فوجدتُ مصلّيً واحداً صغير،للرجال فقط،وحنفية واحدة بكل المستشفي يتوضأ منها الجميع نساءً ورجالاً !.
(5)
ورويداً رويداً استحال جمال المبني، ومظاهر النظام الذين رأيتهما إلي قشور زائفة،حل محلها إستياء من العشوائية والفوضي، والاستخفاف –من قبل إدارة المشفي- بتحقيق الجودة والإتقان..وذهبت أحدث نفسي بألا تتشائم من النظام الصحي في بلادي،فأخطاء مستشفيً واحدة لا تنسب إلي مثيلاتها، وأخطاء إدارته لا تعني إنطباقها علي بقية الإدارات، وإن كان الطبيب ضجرٌ ضائقٌ بحقوق مرضاه فربما هو استثناء، ويجب ألا تعميني أخطاءُ أولئك عن الخدمات الجليلة الأخري من عمال النظافة، وعمال توصيل الوجبات، فاتقان هؤلاء لمهامهم يُنسَبُ للإدارة أيضاً..وأنا في تلك الخاطرة، طرق أحدهم باب الغرفة طرقاً شديداً، حتي تململ صاحبي الذي نام بصعوبة وكاد يصحي، وبدون أن آذَنَ له أدخل رأسه من الباب قائلاً بغلظة وتكبر: الصينية بالله.قلت:صينية شنو؟، قال:الصينية الفاضية بتاعة الوجبة.أنهيت الحوار وناولته إياها،وتذكرت علي الفور نقاشاً تلفزيونياً في قناة سودانية،كان قد خصص للبحث عن أسباب إستقدام المستشفيات السودانية لكوادر تمريض وخدمات عمالية من دول شرق آسيا، بدلاً عن نظرائهم من السودانيين والسودانيات، وتردد أكثر من مرة في النقاش أن أحد الأسباب هي تلك الجفوة التي يتعامل بها بني جلدتنا مع مرضانا، وقدرتهم الضعيفة علي التواصل والتعامل الرقيق.فتخيل معي-أيها القارئ- أن الذي طرق الباب آنفاً بنغالياً مثلاً، لطرق طرقاً خفيفاً ،ثم انتظرني حتي آذَنَ له ، ثم لقال بصوت خافض مع ابتسامة: لو سَمَهْتَي آوز أشيل السِينِّه.
(6)
وخرجنا-بعد 48 ساعة تقريباً من دخولنا- وفي قلبنا شيئ من العتب علي الإدارة والطبيب الأخصائي والموظفين، وعلي الخدمات الصحية في كل بلادنا،وبشيئ من الرضا علي..المرضات طبعاً.هن وحدهن الساهرن ووقفن معانا، والطيَّبن خاطرنا،مش كده؟.
زرياب العقلي – 6 يناير 2012م





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق