الأحد، 12 فبراير 2012

ربيعُ الإسلاميين..وامتحان السُلطة

(1)
إنفتح المشهد السياسي العربي،بُعيد ربيع الثورات، علي صعود ملحوظ للإسلاميين ،يمكن وصفه بربيع الإسلاميين أيضاً،و يبدو أنه مُغاير عن أي صُعود سابق. ففي تونس حزب النهضة –ذو المرجعية الإسلامية- يفوز بالأغلبية في إنتخابات المجلس تأسيسي ، وفي ليبيا تترأس قيادة المجلس الإنتقالي،الذي حقق لها النصر،شخصيات تحسبُ علي ذات التيار،وكذلك الثوار المقاتلين.ومؤخراً مجلس المعارضة السوري،الذي بدأ الإعتراف به دولياً، ينطوي علي عضوية كبيرة ومؤثره من الإسلاميين- إن لم يكونوا هم من بادروا بتنظيمه- بإعتراف الكتل الليبرالية والعلمانية المنضمة له(تحديداً برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري).وفي اليمن هم من أكثر التيارات تنظيماً،وإنخراطاً في عمل المقاومة الشعبي اليومي،وأما في مصر،فحملات التخويف ضد الإسلاميين التي يقودها الليبراليون عبر الإعلام ، وطرائق عدة ، تنبئك بمدي خوفهم من وصول الإخوان للسلطة ، ومن تنامي قوتهم وتنظيمهم.
(2)
والسؤال هنا ، هو كيف إكتسب الإسلاميون هذه القوة التنظيمية،
 والصورة المقبولة لدي شعوبهم ؟ وهل هي عن تطور ونضوج في الفكر المسير لهذه التنظيمات ؟ أم أن صعودهم في هذه المرحلة هو مجرد تعاطف حصلو عليه لأنهم يمثلون التراث ، والذاكرة التأريخية لشعوبهم؟ فمن عادة الشعوب في الثورات أنها تبحث عن قيادات تتماشي مع آيدلوجيتها ، وتحن لإسترجاع تأريخها عبرهم ، بغض النظر عن أهليتهم.
(3)
والحقيقة أن أروقة الفكر الإسلامي ، ومدارساته ، شهدت نشاطاً كثيفاً في الخمسون عاماً الأخيرة ، مما يؤيد أن الصعود الحالي نتيجة مستحقة ، ومدعومة بآفاق ورؤي فكرية واعية لمستجدات شعوب المنطقة،وقادرة علي طرح برامج تُرضيه.وكذلك إستفاد الإسلاميون من التجارب الإسلامية السابقة والحاضرة في المنطقة،والمحصول التأريخي،في تحديد مكامن الفشل،وفرص النجاح.وسياسياً تمثل التجربة السودانية والإيرانيية ، والتركية مؤخراً حقلاً واسعاً لإستقاء تلك الدروس ، بإخفاقاتها ونجاحاته.
(4)
وقد أجبر التطور الفكري والبرامجي ، والشعبية المتنامية ، أمريكا-وأوروبا- مؤخراً للقبول بحقيقة صعود الإسلاميين،والإعتراف بهم كقوة مؤثرة في الواقع السياسي والإجتماعي لا يمكن تجاوزها. بل ثمة مؤشرات تدل علي أن السياسة الأمريكية الآن تتجه إلي إشراك الإسلاميين في المشهد السياسي العربي،خصوصاً وأن التيارات العلمانية والليبرالية تراجعت ثقتها كثيراً عند شعوب المنطقة،في ظل صحوة إسلامية شعبية ملحوظة. وقد تحدثت تقارير عدة مؤسسات بحثية أمريكية عن ذلك ، وقدمت المشاركة طريق جديد للتعامل مع الإسلاميين. وفي هذا السياق قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي الجمهوري عن ولاية أريزونا –والمرشح السابق للرئاسة- جون ماكين(خلال جلسة عقدت ضمن المنتدى الاقتصادي في البحر الميت): "أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تخشى من المشاركة السياسية للأحزاب الإسلامية في الدول العربية". كما تلقي الفكرة دعماً أيضاً ممن يسمون ب "النيو محافظون" داخل مجلس الشيوخ، والذين يرون أن الصاعدون الآن هم "نيو إسلاميون" معتدلون ، ولامخاوف كبيرة منهم.
(5)
ولكن أمريكا تقبل هذا الصعود علي مضض ، ولن تسمح له بالتمكن السياسي في دولة مركزية في المنطقة كمصر،ولذلك ثمة مؤشرات أن لها يداً في تأخر التحول الديمقراطي في مصر،وأنها تقود "إنقلاباً ناعماً مع المجلس العسكري الحاكم لتأخير الإنتخابات" (كما وصفه الكاتب والمحلل البريطاني بيتر أوبورن في مقال نشرته صحيفة ديلي تلغراف). وهذا ريثما تتم صياغة قوانين وتعديلات دستورية تحجم من وصول الإخوان،والمحسوبين علي التيار الإسلامي عموماً للرئاسة والبرلمان، مع تشجيع العلمانيين والليبراليين،وحفزهم إلي قيادة حملات تخويف ضد الإسلاميين،وهي تجري الآن وطنينها يملأ أجهزة الإعلام،وتجري بطرائق شتي.
(6)
والسؤال المهم هو عندما يتم التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي،وعندها سيحصل الإسلاميون قطعاً بنصيب وافر من السلطة،إن لم يكن جُلها في بعض الدول ،عندها هل سينجحون في التحول من ثوار إلي حكام ديمقراطيون؟ ومن دور المعارضة إلي ممارسة السلطة الرشيدة؟ وفي إرساء دولة مدنية لا تتعارض وآيدلوجياتهم؟ وهل سيتخطون مواقع ذلل التجربتين الإيرانية والسودانية ؟ ويستقون من نجاحات التجربة التركية ؟..المستقبل القريب هو من سيجيبنا ، لكن الواقع الآن ينبئ مبدئياً بخير ،قياساً علي الحالة التونسية، فهاهو حزب النهضة يفوز بثقة التونسيين ، رغم حملات التخويف العلمانية والليبرالية التي كرست ضده،وذلك لقدرته التنظيمية والفكرية في تقديم نفسه،إضافة لإنفتاحه الفكري،ومناداته بالمدنية وإحترام حقوق المرأة والتعدد السياسي،بل إن بعض مرشحيه ذوي إنتماءات علمانية وليبرالية !!. فهذا الفكر وهذه الممارسة السياسية لم تكن سابقاً موجودة في الخطاب الإسلامي ولا برامجه ، وتكشف عن مقدار التطور والنضوج الفكري الذ تحدثنا عنه.
زرياب العقلي - 26 أكتوبر 2011م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق