الأحد، 12 فبراير 2012

لُغاتُ الغَدْ

(1)

تكتسب أي لغة تأثيرها من القوي الإقتصادية والحضارية الداعمة والمصدِّرة لها،فإن هي(القوي الداعمة) قويت وطغي تأثيرها في منطقة ما، وجب الأخذ بها هناك للتواصل معها، وإن ضعفت وتراجعت وجب الإتجاه إلي غيرها.وعلي هذا الأساس فإن بعض اللغات ذات الأثر الإقتصادي والمعرفي في نصف القرن السابق(كالفرنسية والألمانية والروسية) لم يعد من جدوي كبيرة لتعلمها.إلا للأغراض الخاصة.وبالمقابل فقد ظهرت قوي إقتصادية وثقافية جديدة ستفرض لغتها علي حيز كبير من العالم،وعلي منطقة الشرق الأوسط،هي الصين وإيران وتركيا إضافة للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.وعلينا الأخذ بهذه التغيرات والتعامل معها ومعرفة لغاتها علي وجه السرعة، ومراجعة توجهاتنا اللغوية القديمة.

(2)
فلو سألتكم سؤالاً:

كم عدد الفرنسيين في العالم؟ وكم حجم المنتوج الثقافي الضروري الذي لا يتوفر إلا بلغتها ؟ وما هي الفائدة الإقتصادية من تعلم الفرنسية ؟ وهل نتوقع لفرنسا تمدداً ثقافياً واقتصادياً في المستقبل، أم تراجع؟ الأجابات في رأيي كلها لا تنصح بالتوجه إلي تعلم الفرنسية، وكذلك الحال.وأقل.بالنسبة للألمانية والروسية.
فالصين.بحسب التقارير والتنبؤات الإقتصادية. تواصل الآن بثبات زحفها لتكون القطب الإقتصادي الأكبر مناصفة مع الولايات المتحدة،وبحسبها فإنها بحلول العام(2050م) ستحل محل أمريكا من العالم اليوم،وتتزعم صدارة العالم.والدلائل متوفرة،فالآن نحن نشهد استثماراتها وتجارتها تغزو كل مكان،و بوتيرة متزايدة، وفي السياسة هي لاعب رئيس ذو ثقل كبير، وعدد المتكلمين بلغتها يتزايد مضطرداً مع تقدمها الإقتصادي.وصحيح أنه ثمة تشكيكات في قابلية الصين لسد الفراغ الثقافي والإبداعي الذي ستخلفة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي،بحجة أن عقولها لا تملك قدرة علي مخاطبة العالم ثقافياً وفنياً بما يكفي، ولكن حتي لو لم يحدث ذلك يكفي الجانب الإقتصادي دافعاً لتعلم الصينية.
(3)
ولا يخفي علي مراقب التقدم الذي يحرزه المشروع التركي للدخول كلاعب ومؤثر إقتصادي وثقافي رئيس بالمنطقة،مع ما توفر له من كاريزما لقياداته التي تتفوق في شعبيتها عندنا علي قادتنا من بني جلدتنا.ويتمدد المشروع التركي بليونة ويسر مع نوع من الترحاب من قبلنا.علي عكس الإيراني.باعتبار مرجعيته السنية،والعلائق التأريخية المشتركة والموقع الجغرافي.فتركيا في استراتيجياتها الآن تميل إلي الشرق،في ظل تعنت الإتحاد الأوروبي واستعصائه تجاهها.وبالفعل نشهد الآن دوراً سياسياً بارزاً لها في المنطقة،كما أن اقتصادها من أقوي الإقتصادات من ناحية معدل النمو السنوي،واستثمارها وتبادلها التجاري واغل متزايد حتي في هنا في السودان،كما أن إنتاجها الإعلامي والثقافي والفني الموجه نحونا لغرض التواصل والتأثير ملحوظ أيضاً.فالمشروع التركي قادم لا محالة ، وعلينا تعلم لغته.
(4)
والمشروع الإيراني نحو الشرق الأوسط-بغض النظر عن نواياه وتوجهاته- يتقدم رويداً رويداً نحو بسط تأثير إقتصادي وثقافي، وهو مشروع سيلقي حظه من النجاح في ظل غياب مشروع عربي أو إسلامي فاعل. فحجم التمثيل الدبلوماسي لإيران في المنطقة ليس بالهين اليوم،وحجم الإستثمار.في ظل التضييق المفروض غرباً.والإنتاج الفني الموجه نحونا في تزايد،وحجم التبادل التجاري أيضاً،ما خلق حوجة لزيادة عدد المجيدين للفارسية الآن وغداً.وبدلاً من أن نتفاجأ بلاعب رئيس ومؤثر متغلغل في منطقتنا،ولا نعرف كيف نخاطبه أو نتعامل معه،علينا أخذ زمام المبادرة وتعلم لغته، لفائدتها الإقتصادية،وربما الثقافية بعد سنوات قلائل.
(5)
علي تلك الوقائع،والتنبؤات شبه المؤكدة،أوصي وزارتي التربية والتعليم العالي بإدخال اللغة الصينية بشكل رئيس ضمن مقررات المرحلة الإبتدائية،وفي كليات الآداب واللغات.إلي جانب الإنجليزية.وتشجيع تعلم اللغتين التركية والفارسية.وأنقل ذات التوصية لأرباب معاهد اللغات الخاصة.كما أوجه عناية الأسر والشباب بالتركيز علي هذه اللغات الثلاث،بدلاً من الفرنسية والروسية والألمانية التي لإنتفت دواعي تعلمها.
زرياب العقلي-18 يناير 2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق