الأحد، 12 فبراير 2012

أسرار وخفايا أوبريت (بُكرة)

(1)

وراء كل حدث فني"ضخم ومنظم" رسالة يدسها فيه منتجوه ، والقائمون عليه. وبمعرفة القائمين عليه ، وقراءة الظرف الذي أنتج فيها ، يمكن التحليل والوصول إلي الغاية"المدسوسة" أو المعلنة من ورائه،سواء كانت نبيلة أو لا.
ولذا: من السذاجة أن يمر علينا عمل ضخم مثل اوبريت"بكرة " الذي أنتجته مجموعة "إم بي سي" بشراكة مع "اليونيسيف" وعدة جهات اخري. دونما محاولة قراءة جادة لمغازيه ،رغم انه جاء ضمن برنامج خيري موجه للأطفال،لكنه لم يخلُ من رسائل للكبار. وهنا محاولة نرجو أن تكون موفقة من لدنا،وهي شيئ قابل للخطأ والصواب..فإلي حيثيات التحليل.

(2)
أولاً: سياسة إم بي سي منتج الأوبريت وراعي المشروع: فلا يمكن عند قراءة أي حدث ، الفصل بينه ومن يتسبب فيه ، وبالتالي يجدر بنا التعريف "بالسياسة العامة" لقنوات "إم بي سي" ، والتي نأخدها من بحث للأستاذ عبد الكريم آل عبد المنعم – بعنوان: دراسة تحليلية لقنوات ال"إم بي سي" الأجنبية.مع غضافات من عندنا.فبمراجعة جميع ماتبثه تلك القنوات وتنتجه نلاحظ أنها تتصبغ بأيدلوجيا "ليبرالية" تسعي لغرسها في ذهن المتلقي. وذلك من خلال الترويج لمفاهيم"تحرير المرأة" ، والفصل بين"السياسة والدين"، و "تسطيح الشباب"عبر إشغالهم بقضايا هامشية ، و "برمجة الأطفال" علي أنموذج الحياة الغربية. ويمكن ملاحظة ذلك في جل الأعمال المنتجة،ومنها مثالاً لا حصراً: برنامج كلام نواعم ، مسلسلات:مطلوب رجال،والتركية المدبلجة،.والأفلام الأجنبية المترجمة الموظفة،وبرنامجي "أرب قوت تالنت ، وأرب آيدول" ، وبرنامج "سفاري" للأطفال. ويأتي الأوبريت الأخير.موضوع بحثنا.وفاقاً وتماشياً مع تلك السياسة الإعلامية.
(3)
ثانياً: أسلوب المستشرقين بأيدي عربية: المستشرقون هم الغربيون الذين درسوا الحضارة والثقافة العربية والإسلامية من الغربيين،بغرض الطعن فيها والتشكيك،وللتنبؤ بمحاولات نهوضها لأجل قتلها في مهدها. وينبهنا "مالك بين نبي".رحمه الله. في كتابه(القضايا الكبري) إلي أنهم يقتلون محاولات التغيير فينا بطرق "لينة" ، عبر إعاشتنا في أمجاد الماضي،وتغييبنا عن الحاضر،وجعلنا ندور في عموميات لا ترتقي إلي معالجات وبرامج لأوضاعنا.كما يحدثنا أنهم إستطاعو بإنتاجهم هذا التأثير علي إنتاج العرب أنفسهم،فأصبحت كثير من الإنتاجات المعمولة بأيدي عربية مسلمة تخدم ذات الغرض(التخدير بإستدعاء أمجاد الماضي،والقفز للمستقبل بعموميات لا برامج،والتغييب عن الحاضر بإشغالنا بالهوامش). وهذا الأثر تغلغل إلي المنتج الفني العربي أيضاً،فهو الآن-ليس كله- يدور في ذات الفلك.ومنه هذا الأوبريت الذي ينادي بالأمل،وبكرة،دونما أن يشير إلي الآن(والتغيرات الحاصلة في المنطقة) ، ودونما أن يذكر لنا تفاصيل هذا الأمل.وبذلك يمكن تفسير مشاركة اليونيسيف(التابعة للامم المتحدة) في تمويل الحدث،بإعتبارها ذراع سياسية للغرب،وآلية إستشراق جديدة.
(4)
ثالثاً: ملاحظات علي العمل "بكرة "
الهدف من الأوبريت: أرجح أن يكون الهدف هو "خطف المبادرة" قبل أن يُنتج عمل فني ضخم مماثل من جهة أخري ، فيتضامن كلياً مع الثورات والتغيرات الجارية،ويؤيدها.أو بالأصح قطع الطريق أمام إنتاج "حلم عربي" جديد.وذلك للحد من دور الفن في تعزيز وتنمية روح التغيير.
وذلك بتجفيف وإستهلاك معظم نجوم الغناء في هذا العمل(الذين بلغ عددهم30 من المشاهير)، وبالتالي يصعب علي من يفكر في قيام عمل مماثل أن يجد نجوم بدرجة أولئك ، وحتي لو وجد سيمتنعون عن المشاركة بحجة أن عملاً مماثلاً قد أنجز،وبالتالي لا داعي للتكرار !!.
الكلمات فضفاضة ومخدرة وتتجاهل الحاضر،وتقفز إلي الغد بغير هدي: فالمقطع الاساسي ،الأكثر تكراراً، يتحدث عن الغد ، وبصورة تمويهية ، في تجاهل صريح للحاضر والوقائع الجارية. وهذا عين التخطي،فعندما يكون احدهم جائع،سيكون من الخداع أن نحدثه عن وجبة دسمة ستاتيه غداً،في حين هو يحتاج لكسرة خبز تعينه لليوم..ويمكنك ملاحظة ذلك إذ يقول المقطع:
جايى بكرا نهار جديد، نفرح فيه ويفرح فينا
نزرع الأرض مواعيد وحب أمل وين ما مشينا
بكرا تجمعنا الأيام على الخير وع السلام
نبنى سوا سوا، سوا منلون الكون بأغانينا
أين الإشارة للواقع الجديد؟ أين نضالات المتظاهرين السلميين ؟ أين سيرة شهداء الحرية ؟ أين نشوة نجاح الثورات ؟ !!!!ء
إستبعاد الفنانين المؤيدين للثورات والتغيير وذوي الدور السياسي: فبمراجعة الأسماء لن تجد أحدهم كان له دور رئيس في ثورة بلاده أو دعمها ، بل منهم من هم علي القوائم السوداء للثوار،ومنهم من هو معروف بسلبيته تجاه قضايا مجتمعه ، ومنهم من هو رمادي الموقف،لا مع هذا ولا ذاك.
(5)
الخلاصة: إننا أمام إستشراق فني جديد ، وإنه يجدر بنا ترك السذاجة ورائنا ، والاستعانة ببصيرة زرقاء اليمامة لقراءة الأحداث من حولنا ب(360) درجة، وسد الطريق أمام المؤسسات الإعلامية والفنية لبرمجتنا علي سياستها ، لنقول لهم بكل وعي: لكم أعمالكم ، ولنا أن نفهمها علي طريقتنا ، لا علي طريقتكم
المراجع:
مالك بن نبي –القضايا الكبرى- فصل أثر المستشرقين علي الإنتاج العربي الإسلامي.
عبد الكريم آل عبد المنعم – دراسة بحثية بعنوان: دراسة تحليلية لقنوات ال"إم بي سي" الأجنبية.
زرياب العقلي - 22 ديسمبر 2011م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق