الثلاثاء، 20 يوليو 2010

عذراً .. يا أمااااااه

أياماً , بل أعواماً طوال وأنا ملجم لا أستطيع الإفصاح , وعاجز عن الإشارة إلي محاسنك وأفضالك علي هذه النفس التي نبتت بين يديك إلي أن قاربت أن تثمر الآن!! والتي أرجو أن يكون ثمرها مما يرضيك , ولعل من أسباب عجزي تلك الطفولة التي لم تكن منتبهة لمكانتك وعظم مقدارك عندها ؟

أما وقد كبر طفلك الآن .. وشرب البلاغة من بيوتها , وتعلم سياق الحروف في أجمل أشكالها , فإنه يريد أن يكتب عنك قليلاً .. ويالها من مهمة شاقة ؟

أياماً طوال مذ جاء يومك (عيد الأم) وأنا أحاول الكتابة كي أواكب الحدث .. كل يوم أحضر أقلامي , وأوراقي وأجلس .. فأنفض عاجزاً عن كتابة شيئ , فالمقام كبير لاينطلع لقلم , ولاتحتويه كلمات.
(1)
فكيف لي أن أصف تلك المشاهد العظيمه التي كنت – ومازلت أنت بطلتها المطلقه حتي الآن .. أذكر وأنا طفل صغير – كثير الملازمة لك – وأنا ممسكٌ دوماً بطرف ثوبك أينما تذهبين.. فلاتكلين ولا تملين من تلك الملازمه , بل تشبعين رغبة صغيرك في أن يكون تابعاً لك .. فنعم القائد أنت , ونعم التابع أنا آنذاك !!
(2)
وأذكر حين توقظيني – وأنا صغير – لصلاة الصبح , تعلميني وتجبلينني علي عبادة ربي , فأصلي وأنا منتشي بتلك اليقظة الباكره ملتصقاً بجوارك – فطريق المسجد مظلمه مخيفه , والكهرباء لم تصل بعد لقريتنا الصغيره – إنها بلاشك أجمل صلوات صليتها في حياتي .. ففيها السكينة , والخشوع , والجوار الحسن!!
(3)
وأذكرعندما كان يغيب الأب طويلاً – بدواعي العمل – فتزيد المسؤوليه عليك , وتكثر مطالب اطفالك الصغار , وتلحقين بهم إذا تأخروا من مكان إلي مكان , وتدافعين عنهم في خصوماتهم ومشاكلهم , وتسهرين عليهم في مرضهم , وتسكنين جراحهم الكثيرة – خصوصاً صغيرك هذا – الذي لم يكن له هم سوي لعب الكره , وتحثينهم علي المذاكرة .. وتعجنين وتخبزين , وتغسلين وتنظفين .. وأشياء كثيرة لايطيقها ذاك الجسد الذي لم نراه يأكل إلا قليلاً !؟
(4)
وأذكر عندما إنتقلنا للعيش في المدينه .. فكنت المؤنس الوحيد , والصاحب في هذا العالم الجديد (الغريب) , الذي لم أجد فيه تلك الصحابات الطيبه , ولا البيوت المفتوحه , ولا الوجوه المرحه التي كانت في قريتي , وحتي الكرة تغيَر طعمها علي .. فازددت إنغلاقاً وخوفاً من هذا العالم, لكن صمودك أعادني إلي خوض غماره , بل والتفوق علي كثير من أهله.
(5)
خلاصة قولي (يا أماه) .. عذراً فإنني عاجز عن شكرك , ووصفك , وإني لأستعير قول شوقي في خاتمة مدحه للمصطفي (صلي الله عليه وسلم) :(أبا الزهراء قد جاوزت حدي بوصفك...) أي قد تجاوزت حدي بمحاولة وصفك , فأنت لا توصف , وكل محاولة لوصفك فاشله , وكذلك أنت يا أماه .. أطال الله عمرك !!

زرياب العقلي
26 / مارس / 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق