الثلاثاء، 20 يوليو 2010

حب .. ومحاولة تقبيل


إنني أزعم أننا (نحن السودانيون) من أكثر شعوب الإنسانية تقديراً وإحتراماً لمن نحب ونعز – وهو ظن لا يقصي الجهود الإنسانية الأخري للإحتفاء بعلاقات الود والحب –

 والعجيب في هذين التقدير والإحترام الذين نكنهما لأعزائننا أنهما لا يتوجان بقبلة – لمن تجوز بينهما القبلة مثلاً , ولا بتصريح , ولا بكلماتٍ وتعبيرات معسولة .. وهذا مايجعلني أصر علي ظني أعلاه , فنحن هكذا جبلنا , وربما هكذا خلقنا , لا تعرف ألسنتا البوح والتصريح ’ لكن سلوكياتنا دائماً تفوق الكلمات روعة , بل لو دخلت عليها الكلمات لأفسدتها وجردتها من نكهتها السوادنيه الخالصه المميزه (أن نظهر حبنا وتقديرنا مع هرب من مصيدة التصريح).

 ولعلك لذلك ترانا من أقل الناس تقديما لعبارات الود والحب , و لايتجاوز قاموسنا العبارات العاديه (كل سنه وانت طيب, يديك العافيه ويهنيك ,ربنا يسعدك) ولن تجد كلمات (أحبك ,حبيبي ,نور عيني , عزيزيي...) بين أخ وأخيه , أو ولد ووالد , أو زوج وزوجه , أوصاحب وصاحبه , لكنك حتماً – لو دققت – ستشاهد وتسمع أفعالاً واقوالا رائعه لايسعها ذاك الماعون الضيق لتلك الكلمات.

فتري ولداً يشقي نفسه في عمل منزلي أو إصلاح أشياء كسرت , ثم يختمها بغسل عربة والده , والبنت تشتري هدية بسيطه فتقدمها عل اسحياء وخوف من إنفجار عواطفها .. فتنهي المشهد وتهرب بسرعة محاولة الإنشغال بشي ما .. وكأنما يقولان لوالديهما (نحبكما ونقدركما وهكذا نعبر لكما).

وإذا اختلست النظر ستري زوجة وقد تفننت في توضيب منزلها , ومائدة طعام زوجها , وأوصت أبناءها:(أبوكم تعبان .. ما تزعجوهو) فلم يسمع صاحبنا عبارات حب وتقرب وتهوين لنصبه , لكنه رأي أفعالاً تفوقها جمالاً وتعبيراً.
وذات الزوجة يرد لها جميلها .. فتسمع زوجها يقول :(والله ماقصرت , ربنا يكرمك .. أفتحي الكيس ده  فيهو حاجات جبتها ليك !!) هكذا يعبر صاحبنا عن مشاعره .. وهكذا تفهم صاحبتنا أن رسالة عاطفية أرسلت لها دون استرسال في التعبير.
 
وتري صديقاً يعانق صديقه عناقاً شديداً زادت حرارته أن أحدهما عاد من سفرة طويله , فيبادله الذكريات , ويقدم له الهدايا .. ويكتشف أن صاحبه كان يتفقد أسرته في غيابه , وربما كان مستقبله الوحيد في المطار فجر ذاك اليوم وقائده حتي مكان إقامته.

وهكذا – في الغالب – في علاقاتنا والتعبير عنها , لا نجيد زلق الكلمات الحلوه من ألسنتنا لكن أفعالنا تحل بديلاً لها , وما أروعها من بديل.

لكني حاولت – قبل سنوات -  في محاولة جريئة أن (أكمل الناقصه) وأكسر القاعده وأفعل شيئاً صعباً علينا (نحن السودانيون) هينا عند آخرين , بأن أقبل أمي وأبي وأجعلها عادة سهله , ولا أكتفي بالأفعال فقط , فوجدتها من أصعب المهام في حياتي , و غلبني (الجين) الذي تربيت ووجدت مجتمعي عليه.

زرياب العقلي
أمدرمان – 7/ مارس / 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق