الثلاثاء، 20 يوليو 2010

غداً .. سنأكل الفالوزج

ضاقت الأم ذرعا بإبنها (الذي مازال طفلاً) , وقلت حيلتها في إلحاقه بعمل , فقد كانت فقيرة وأرملة, وكانت تري فيه مخرجها للسعة.

لكن الصغير كان له ميل آخر يجعله يتسرب ويتهرب كلما ألحق بعمل , كان يحب العلم , ويعشق الجلوس طويلا بين يدي ذلك المعلم (المشهور آنذاك والآن) ويستمتع بما يقول ويحفظه.. لكن جبذة قوية من الخلف تسحبه من تلك المتعه.. جبذة من يدي أمه ترجعه مجدداً إلي العمل (ذاك الذي لا يحبه الآن).

وبعد ما بدأ يستقر للأم ماتريد .. وواظب صغيرها علي كسب العيش كصبي بين يدي أإحد الحياكين (الخياطين) .. مرت الأم بالسوق وعرجت علي محل صغيرها تريد حاجة منه , فإذا هو ليس هناك , نعم ليس هناك. فقد ألم به عشقه واسترق لحظة إلي ذاك المجلس دون علم الخياط (فقد كانت تلك عادته كل يوم) .. فانتظرته , لكنه تأخر كثيراً ؛ وفي الحال إنطلقت صاحبتنا يقودها الغضب , فلا شك أنه هناك.

وعند الباب فجرت غضبها علي المعلم وقالت:( أفسدت علي ولدي , إنك لتعلمه الخمول والبطاله) أو نحواً من ذلك.. وفي هدوء أجاب المعلم:( بل أعلمه أكل الفالوزج بدهن الفستق ؟!) فازداد غضب صاحبتنا وزادت عليه مكيالاً من سخريه ؛ فالفالوزج بعيد كل البعد عن صغيرها الذي يضيع وقته في اللا فائده (كم تظن) , ولا ينصرف إلي عمل أو تجاره ؛ فلا يطيق ثمن الفالوزج , إلا تاجر أو حاكم !! فانصرفت يائسة وتركت صغيرها وما يريد , بل تركته وجنونه - كما تظن – وخاب رجاءها.

بعد سنوات

وبعد سنوات , جيئ للخليفة (هارون الرشيد) بطعام غريب , قيل له أنه فريد ولذيذ وجلب له خصيصاً من بلاد فارس , ولأنه طعام فريد ولن يكون متاحاً علي الدوام كسائر الأطعمه .. دعا الخليفة رئيس القضاء أبو يوسف (ذاك الصغير) ليشاركه الطعام .. وحكي له قصته وأنه فالوزج بدهن الفستق , فتبسم أبو يوسف وتعجب من نبوءة معلمه (أبو حنيفه) وحكي للخليفة قصته .. وترحما عليه وأثنيا علي بصيرته النافذه.

رساله

وأقول لكل محبط ومثبط لجهودنا (نحن الشباب) ولكل مشكك في قدراتنا , ولكل من استبعدنا أو وضعنا علي الهامش في برنامج الإنتخابي , ولكل من يقدم عمالتنا علي تعليمنا, ولكل من يستعجل ثمرتنا : (غدا سنعلوا .. ونأكل الفالوزج , فاليوم علم , وغداً عمل.

ملحوظه: القصه معروفه في التأريخ الإسلامي , وقد أوردتها بتصرف.

زرياب العقلي
أمدرمان - يناير 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق